الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

الفرق بين الطريقة العلمية والطريقة الفلسفية

من المشروع التساؤل عن الفرق الجوهري بين الطريقة الفلسفية والطريقة العلمية في تحصيل المعرفة، في العلم يقوم العلماء بالتجارب والتي تكون هذه التجارب تكون مقيدة بالقوانين الطبيعية، وهذا ما يعطي الثقة لأصحاب التجربة العلمية بقدرتهم على تحصيل المعرفة من خلالها، في الفلسفة يقوم الفلاسفة أيضاً بإجراء التجارب ولكن لا تكون هذه التجارب مقيدة بالقوانين الطبيعية ولا تعمل في المعامل المخصصة للتجارب العلمية فهي ليست تجريبية بل يستخدمون تجارب فكرية، فيمكن للفيلسوف إجراء هذه التجارب بكل أريحية على كرسية أو في المكتبة، ولكن كما أن العلماء مقيدوّن بالقوانين الطبيعية فالفلاسفة مقيدون بقوانين المنطق، وبذلك يكونون واثقين بأنهم عندما يتحصلون على نتائج من تجاربهم الفكرية فإنهم يحصلون معرفة صحيحة، خاصة عند مقارنة النتائج التي يصل إليها أحد الفلاسفة مع نتائج آخرين، ولذا فالمشاركة للنتائج في الفلسفة وطريقة إستخلاصها هي مهمة أيضاً كأهميتها في المجال العلمي.
فماهو المنطق؟
فإذا كان المنطق هو الذي يحكم صحة المعرفة المستخلصة في الفلسفة فما هو المنطق؟، المنطق هو عبارة عن دراسة الطرق والمبادىء التي يمكن خلالها التفريق بين الصحيح أو الخاطىء، أو يمكن النظر إليه على أنه تفكير مبني بطريقة جيدة أو فن الجدال الصحيح أو آلة تعصم الفكر عن الخطأ، البشر بطبعهم كائنات منطقية، أي يمكنهم التفكير بشكل منطقي وإغراؤهم بتغير آرائهم بحجج منطقية، لا يستخدم المنطق فقط في الفلسفة بل أيضاً في العلوم المختلفة، حيث أن العلماء لا يكتفون فقط بالمعلومات المستخلصة من التجارب التي يقومون بها بل يسعون إلى تكوين إستنتاجات منها، ويرغبون في التأكد من كون هذه الإستنتاجات صحيحة من حيث البناء الفكري لها.
المنطق له أنواع كثيرة تعكس مجالات إستخدامه، مثل المنطق غير الرسمي (Informal logic) المستخدم في التفكير اليومي وتحليل الحجج وهو مكون من المنطق الإستنتاجي (Deductive Reasoning) وهو البدء بموضوع كبير ثم تخصيصه إلى حالة منه والإستقرائي (Inductive Reasoning) تحليل حالة معينة وتعميمها على مجموعة أكبر.
والمنطق الرسمي (formal logic) أو الصوري وهي مجموعة القوانين التي يتم على أساسها تقييم صحة إستنتاج من معطياته، المنطق الرمزي (symbolic logic) طريقة تمثيل التعبيرات المنطقية من خلال استخدام الرموز والمتغيرات ، بدلاً من اللغة العادية. والمنطق الحسابي (mathematical logic) استكشاف تطبيقات للمنطق الرسمي في الرياضيات.
وللمنطق قوانين تنظم عملية التفكير، وهي قوانين أساسية لا يقوم التفكير إلا بها، وهي كثيرة أهمها : قانون الهوية (Law of Identity) (لكل شيء حقيقة جوهرية ثابتة مهما اختلفت صفاته العرضية، الشيء هو ذاته ولا يمكن أن يكون غيره، مثال ذلك القلم الذي بيدي هو القلم ولا ليس قلم آخر حتى لو تم صناعة الآلاف المطابقة له)، قانون عدم التناقض (The Law of Non Contradiction) (الشيء لا يمكن أن يتصف بصفة ونقيضها في آن واحد فلا يمكن أن تكون فكرة مثلاً صحيحة وغير صحيحة في نفس الوقت) - قانون الوسط الممتنع (he Law of Excluded Middle) (الشي إما أن يوصف بصفة أو نقيض الصفة ولا وسط) .
من مثل هذه القوانين البديهية ينشأ الفكر الحقيقي ومن إستنتاجتها يبدأ التفكير المنطقي، وعدا ذلك تكون الأفكار معرضة لكل أشكال الخطأ والمغالطات المنطقية.
إعتقاد الناس بالمنطق وأهميته
وعلى الرغم من وضوح دور المنطق المهم في تقييم أفكارنا وبناءها من حيث الصحة إلا أن أغلب الناس (عدا الفلاسفة) لا يستخدمه بشكل كبير، فهو من الأمور التي يمكن الإستغناء عنها على عكس العلوم الطبيعية (ذات القوانين الجبرية)، فيمكن ترك المنطق والوقوع في الخطأ بشكل متكرر. والإعتقاد بأن المنطق والحقائق كافية لتغيير آراء الناس حول قضية ما يهمل جانب أساسي وهو طبيعة تكوين الإنسان، فالإنسان ليس مكون من الجانب المنطقي فقط بل لديه مشاعر وأحاسيس ومعتقدات مسبقة، وعندما تأتي حقائق أو منطق يشكك بصحة أحد هذه المكونات الآخرى فإن الناس بكل عام يكونون مناعة ضد تقبل المعرفة الناتجة عنه.
وقد إختبرت ذلك بشكل مباشر، أثناء حواري مع بعض الرفاق الروحيين حول أفكار يؤمنون بها، فلا يهم كم من المرات يتم الإثبات لهم بأن فكرة ما هي متناقضة منطقياً في ذاتها ومتناقضة مع أفكار آخرى يحملونها فإن ذلك لا يكون كافياً. سيعتقدون أن هناك شيء ما خاطىء في المنطق كما في العلم، بأن هناك مستوى آخرى من العقل أو ماوراء العقل أو حتى كون موازي حيث يمكن أن تكون أفكارهم فيه صحيحة، سيفعلون أي شيء للتشبث بالأفكار الحالية لديهم وسيفضلون الموت معتقدين بشيء خاطىء على العيش طوال حياتهم بدونه.
وهذا شيء محزن ومخيف في نفس الوقت، إن الأسوء من كون الروحي متعلق بفكرة تناقض الدلائل العلمية هو تعلقه بفكرة تناقض نفسها. ولكن دراسة المنطق ومن بعده الفلسفة لا يهدف في الأساس إلى جدال الآخرين أو إقناعهم بقدر ما هو فحص ذاتي للأفكار التي يعتنقها الشخص وصون لمعرفته. أن يمتلك الروحاني الأداة التي يمكن له إستخدامها لفحص أي فكرة أو بناء إستنتاج يوصله إلى نتائج آخرى هي أداة أساسية للوصول إلى الحقيقة والتي هي الهدف الحقيقي للروحانية.أما جدال الآخرين وتغير أفكارهم فيأتي في المرحلة أقل من حيث الأهمية، فلا ضرر تلحقه فكرة فاسدة في عقل يدرك وجودها، وأيضاً من ناقض نفسه كفانا مؤونة جداله.

إن دراسة المنطق بحدث ذاته وبقوانينه لا يضيف شيء إلى المعرفة بل هو أداة تستخدمها كل العلوم لإنتاج معارفها والتأكد من صحتها، وهنا يأتي دور الفلسفة في توظيف المنطق (والذي يعتبر أحد فروعها) في البحث في شتى القضايا التي تهم الإنسان ووجوده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تلخيص كتاب طريق السعادة لسونيا ليوبوميرسكي

في كتابها The How of Happiness تتحدث عالمة النفس سونيا ليوبوميرسكي Sonja Lyubomirsky عن حاجتنا جميعنا كبشر إلى السعادة حتى وإن لم نعبر ع...