الأحد، 27 يناير 2019

تعريف الروحانية

تعريف الروحانية
معنى الروحانية في هذا العصر هو فضفاض وغامض، ولكن الطريقة الأفضل لفهمها هو إستبعاد ما ليس "روحاني" في البداية، وذلك ممكن من خلال فهم الإمكانيات للمكونات الآخرى للإنسان كالجسد والقلب والعقل، وما يقع خلف تلك الإمكانيات يمكن لنا عندها تسميته الروح، فالروحانية تمثل مستوى أعمق من الحياة مختلف عن المستويات الأخرى السابقة لها من خارج إلى الداخل كالتالي:
المستوى الجسدي أو حياة الجسد – القلب أو مستوى المشاعر وإستجابات الأحاسيس (النفسي- السيكولوجي)-  المستوى العقلي (الذكاء)، والمستوى الروحي (الروح).
حياة الجسد (الفيزيائي) تنحصر في البقاء والعالم المادي، وهذا ما تشجع عليه الحضارة الحديثة، من خلال كمية المال والوقت والإهتمام الذي يصرف على العالم الفيزيائي وذلك لإبقاء الجسد والروح معاً، ولذا فإننا ننفق على غذاء الجسد أكثر من غذاء الروح، وهنا الأولوية لبقاء الروح على حساب العيش فيها. وليس في الإنفاق على البعد الجسدي من الوجود شيء خاطىء بقدر إختلال ذلك الإنفاق على الأبعاد الأخرى، فإذا قمنا بتقييم إنفاقنا نجد أنه في الأساس مرتكز على المسكن، الغذاء، المواصلات، الصحة وباقي الحاجات الفيزيائية.
حياة القلب (المشاعر) من السهل التفريق بين حياة الجسد والروح ولكن الفاصل بين الروح والمشاعر غالبأ ما يتم الخلط بينهما، المستويات الأربع للوجود (الجسد والقلب والعقل والروح) تتقاطع فيما بينها في الكثير من التجارب ويؤثر بعضها على الآخر، يعتبر الجسد الأساس للمستويات الثلاث الآخرى الأعلى في الوجود. بينما المستوى العقلي والمشاعر يعتمدان على بعضها بشدة. على سبيل المثال الشعور بأحساس مثل الغيرة، لا يمكن أن تحدث دون وجود مستوى من التفكير في المسألة.
الجسد هو ما يحدد من خلال جيناتنا منذ الولادة، والمحيط الإجتماعي من خلال التكيف الإجتماعي يبدأ في تشكيل بعدنا السيكولوجي و الإستجابات العاطفية المعقدة تشكل شخصيتنا، من مثل الحب، ثم من خلال هذه المشاعر المعقدة تكوّن مفاهيم لها من مثل الرومانسية المرتبطة بالحب (إستجابة عاطفية)، كل ما هو داخل أنفسنا يمكن تفسيره ضمن دائرة السبب والنتيجة وضمن التحليل النفسي، مشاعرنا هي إستجابة لمؤثرات واعية أو غير واعية من محيطنا الخارجي. ثم الحرية التي هي تجسيد لأرواحنا.
حياة العقل (التفكير) في مستوى أعمق من الوجود يكمن العقل، والذي يتأثر في كثير من الأحيان بمشاعرنا، يمكن تجسيد حياة العقل باللغة والرموز، ما يعطي المجال لبزوغ التفكير المجرد، يتيح لنا التفكير الإنتقال من موقف إلى آخر وهذا ما لا تملكه الحيوانات الآخرى التي تبقى في العادة في نطاق الحاضر الموجودة فيها، فالحيوانات لا يمكن لها التفكير بما حصل في الماضي البعيد أو إستبصار المستقبل، فليس لها تاريخ أو قدرة على تدوين المعرفة وبناء المفاهيم المجردة والحضارة، لذا تفتقد حياتها إلى الذكاء، وهي تستجيب فقط إلى المشاعر والأحاسيس والغرائز القائمة في الحاضر دون تفكير، لذا هي تملك فقط ذاكرة عاطفية.
كم من الوقت والجهد نعطي لحياتنا العقلية؟ هذا يختلف من شخص إلى آخر وبشكل كبير، حياة العقل تشمل الكثير من النشاطات من مثل القراءة والكتابة والتفكير والحديث. وكما أننا نشبع رغباتنا الجسدية والعاطفية فإننا بحاجة إلى إشباع لإهتماماتنا الفكرية.
حياة الروح (الروح)، تقع الروح في مستوى أعمق (أو أعلى) من الوجود يفوق أبعاد الجسد والقلب والعقل، ليس للروح سعي بيولوجي كما في حياة الحيوانات، كما أن الروح ليست إستجابة سيكولوجية، أي أنها ليست إستجابة للمحيط الخارجي، كما أنها ليس شكل عقلي (لا تعتمد على اللغة للتعبير عن نفسها)، فالروح تقع خلف كل ذلك. ولفهم الروح وطبيعتها يجب أن نفهم ما هي ليست عليه، وحياتنا الروحية تحتاج إلى تنمية قدراتها من مثل التجاوز للذات، الحرية ، الإبداع، الفرحة الوجودية وتجاوز الأزمة الوجودية، وكما أن حياة العقل تحتاج إلى تنمية وتطوير فإن حياة الروح أيضاً تحتاج إلى تطوير حتى نستطيع العيش كأشخاص روحانيين.

إذاً فالروحانية هي الممارسات والعادات التي تهدف إلى تنمية جوهر الإنسان أو روحه بشكل عام الروحانية هي متعلقة بالروح التي هي جوهر الوجود الإنساني، من خلال تطوير أرواحنا الداخلية نستطيع الإتصال بجوهرنا وإيجاد السعادة التي تكمن خارج دائرة الألم والمعنى، لا نشعر بالغربة عند الجلوس وحدنا في عزلة عن العالم الخارجي، ويمكنا الصمود في وجه جميع أشكال الأزمات الوجودية التي تمر في حياتنا، من خلال إستكشاف أرواحنا نستطيع العيش في مستوى وطريقة أعمق أكثر تكاملاً وتوافقاً مع أنفسنا، وبالتالي نستطيع أن نصبح أشخاصاً مميزين من خلال عملية التشخيص individuation process ، ونقترب أكثر من مفهوم الإنسان الأعلى أو السوبرمان. 

الجمعة، 25 يناير 2019

التنوير في الروحانية

ماهو التنوير، والذي ينظر إليه عادة على أنه الغاية النهائية للتأمل والروحانية؟ هناك الكثير من الآراء والأفكار في الروحانية التقليدية حول ما يمكن أن يكتسبه المرىء أو يخسره في نهاية المسار الروحاني، ولكن بشكل عام يتم تقديس هذه الحالة في أغلب المسالك الروحية على أنها حالة من المعرفة الكلية، ولابد أن هذا يطرح الكثير من الإعتراضات المنطقية، بوذا أحد أشهر المتنورين أو المتنور الأول لم يكن أفضل عالم أو موسيقي أو كيميائي أو فلكي عاش في كل التاريخ البشري، والحقيقة أنه لا يجب توقع مثل ذلك من شخص عاش خمس قرون قبل الميلاد. القول أن بوذا من خلال رؤيته التأملية أصبح عبقرياً في جميع المجالات التي يمكن أن يتخيلها العقل البشري هو محض دوغما دينية.

في الروحانية التقليدية يحظى الزعماء الروحانيون بمكانة خارقة للبشرية، وبنوع من السلطة العلمية للحديث في كل المجالات التي لا تتعلق فقط بالنفس البشرية والوعي بل في الطريقة التي يجب أن يحيى فيها الإنسان وفي العلاقات العامة والموضوعات والمجالات العلمية والسياسية والإقتصادية إلخ....وكل ذلك ناتج عن الدوغمائية الدينية المسيطرة على المسالك الروحانية التقليدية والتي لا تستند إلى أي توجه عقلاني إتجاه الروحانية. يمكن القول أن الممارسات الروحية وخاصة التأمل تحمل الكثير من الفؤائد التي يجهلها أغلب الناس، هذه التجارب تمنحنا إحساس تجاوز الذات والإنفتاح على وعي لا محدود أشبه بالإتصال بالكون، ولكن هذا التجاوز يخبرنا الكثير عن الوعي البشري وإمكانياته ولكنه لا يقول أي شيء حول الكون المادي ككل، كما أنه لا يسلط أي إضاءات حول العلاقة بين العقل والمادة، الإدعاءات الميتافيزيقية خلال التاريخ لا يمكن تبريرها فقط من خلال التجارب الشخصية التي مر بها أفراد. كما أن التجارب الروحية هي مجردة من الإنتماء لأي ثقافة أو دين أوعرق، وهي في الأساس مجرد أدوات لإستكشاف الوعي وسبر أعماق النفس البشرية.

السعادة في الروحانية

السعادة صعبة المنال، جميعنا يطلب السعادة بكل أشكالها من خلال الأحاسيس الجسدية والرغبات النفسية، نحن نعمل على إرضاء شغفنا نحو المعرفة العقلية، ومن خلال الحس الفني، التمتع بالموسيقى والطعام. ولكن هذه المتع بطبيعتها زائلة. إذا تمتعت بالنجاح في مجال ما فإن نشوة النصر سوف تستمر لساعة أو يوم أو شهر ثم تذهب بعيداً، وبعد ذلك تعود للبحث عن مجدداً عن تحدي جديد، المجهود لإبعاد الملل والألم يجب أن يكون مستمر، وهذا التغير المستمر هو ليس وصفة جيدة لتحقيق السعادة والإكتفاء.
العديد من الأفراد في هذه المرحلة بدأ في التسائل إذا كان هناك مصدر أعمق للرفاهية والسعادة، وإذا كان هذا المصدر خارج دائرة التكرار للمتعة والإبتعاد عن الأمل، هل توجد سعادة لا تعتمد على توفر الرغبات من الطعام، الصحبة ، المال وغيرها؟. وهل يمكن أن يكون الفرد سعيد قبل حصول أي شيء يدفع إلى السعادة، قبل تحقيق رغبة الفرد؟ رغم الألم الجسدي، المرض ، وحتمية الموت؟، الإجابة على ذلك للغالبية هي لا، بأنه لا يوجد أعمق من دائرة تكرار المتعة وتجنب الألم، لا يوجد ما هو أعمق من السعي للإكتفاء الجسدي والحسي والذهني لحظة تلو الآخرى حتى نهاية الطريق.
ولكن يوجد طائفة من البشر يعتقد بوجود هذا المستوى من الرفاه الوجودي، ويلجؤن إلى عزل أنفسهم في الكهوف والأماكن البعيدة فقط لأجل هذه الغاية، والمنطق هنا أنه إذا وجد هذا المستوى فإنه من الممكن تحصيله في غياب كل مصادر المتعة، وأن هذه السعادة يجب أن تكون متوفر للفرد حتى في حالة العزلة والإبتعاد عن مغريات الحياة وممارسة التأمل.
المشكلة في إيجاد السعادة في هذا العالم هي أنه منذ اللحظة الأولى التي نولد فيها رغباتنا وحاجاتنا تتضاعف مع الوقت، ننتقل في عملية معقدة من الأفكار والمشاعر المتتالية مثل أمواج المحيط.
إن البحث عن سعادتنا والعثور عليها وصيانتها وحمايتها هو أعظم مشروع قد نكرس له حياتنا ، سواء اخترنا التفكير بذلك أم لا، وهذا لا يعني أننا نريد مجرد المتعة أو أسهل حياة ممكنة. هناك الكثير من أشياء التي تتطلب بذل جهد غير عادي لإنجازها ، وبعضنا يتعلم الإستمتاع بهذه الحالة خلال الصراع لإنجازها. هذا الصراع لتجنب الألم والبحث عن السعادة يعمل على تشكيل كل الثقافات والحضارات البشرية، بل إن الحضارة هي أداة إخترعتها لقولنا لخلق العالم الذي نرغب فيه بالنجاة والعيش بسعادة قدر الإمكان والإبتعاد عن الألم ويحوي الأدوات التي تساعد على ذلك، من وسائل الإعلام والترفيه إلى الحكومات والشرطة والجيوش. ولكن للأسف الإخفاق في هذا خلق هذا العالم يتجاوز الإنجازات، وينتج عالم مليئ بالأفراد التعساء أو العاجزين عن تحصيل سعادتهم.

لذا يعود السؤال للطرح بشكل طبيعي: هل هناك في الحياة ما هو أكثر من هذا؟ هل من الممكن أن نشعر بتحسن كبير (بكل معنى الكلمة) هل هو ممكن الإنعتاق من دائرة المتعة والألم في ظل حتمية التغير؟ ، الحياة الروحية تبدأ بالشك بأن ذلك ممكن، والروحاني هو الشخص الذي يكتشف كيفية القيام بذلك والروحانية غايتها خدمة هذا الهدف، أنه من الممكن تحقيق السعادة في هذا العالم دون سبب وليس للحظات قليلة بل بشكل متواصل، وهذه السعادة كامنة في التجاوز لحدود الذات، إن الذين لم يختبروا مثل هذه الراحة والسعادة العقلية سيشكون في وجودها، إن تجاوز الذات هو ظاهرة كانت حكر على المناهج والطرائق الروحية التقليدية وضمن الدين، وكذلك تفسيراتها، ولكن إن عرفت الطريقة لإنجاز ذلك بشكل عام فلا حاجة لإطار فلسفي روحاني تقليدي لإحتواءها أو الإرشاد إليها، بل يمكن إستخدامها كأداة لتحقيق السعادة الدائمة في كل لحظة.

الاثنين، 21 يناير 2019

قانون الجذب law of attraction

ما هو قانون الجذب؟
قانون الجذب هو أحد أفكار فلسفة الفكر الجديد[1] (New Thought) ، وهو الإعتقاد بأن تركيز الأفراد على الأفكار الإيجابية أو السلبية سوف يجذب تلك الأفكار إلى تجربتهم الحياتية[2]. يستند هذا الإدعاء على أن الأفكار وكل شيء مكون من الطاقة، ومن خلال قاعدة (الشبيه يجذب الشبيه) Like attracts like  حيث يمكن للشخص تحسين جميع جوانب حياته المادية والإجتماعية. يستخدم قانون الجذب تقينات إعادة الصياغة الفكرية Cognitive reframing ، والخيال الإبداعي. من بين المنشورات حول قانون الجذب : فلم وكتاب السر The Secret (2006) ، وكتاب قوة عقلك الباطن لـ جوزيف ميرفى.
ماذا يقول العلم عن قانون الجذب
سوء إستخدام القوانين العلمية في تبرير قانون الجذب
يتفق العلماء على أن ادعاءات قانون الجذب تنتهك المبادئ العلمية وفهم المجتمع العلمي للعالم، قانون الجذب ليس له أساس علمي ويصنف كعلم زائف، وتم إنتقاد سوء استخدام المفاهيم العلمية من قبل مؤيديه، من بين أهم الإدعاءات في قانون الجذب أن " الأفكار تبعث إشارةً مغناطيسية إلى الكون وتجذب لك الظروف والأحداث الشبيه لك". و"لكل فكرة تردد معين إذا فكرت بفكرة ما فسوف يصدر عقلك هذا التردد ما يؤدي إلى جذب وتجسيد ما تفكر به".
بالفعل يصدر الدماغ نشاط كهربائي، بسبب تدفق الأيونات خلال الخلايا العصبية وهذا ينتج مجال مغناطيسي حسب معادلات ماكسويل Maxwell's equations . ولكن هذه المجالات صغيرة جداً بحيث أنها تحتاج جهاز خاص حساس جداً لقياسها يدعى (SQUID)[3][4][5][6] ، وفي غرفة يتم حمياتها من جميع المجالات المغناطيسية الخارجية. وحسب قانون التربيع العكسي والذي ينص على أن كمية أو قوة فيزيائية معينة تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة إلى مصدر هذه الكمية الفيزيائية فمثلاً جسم يبعد ضعف المسافة يتلقى ربع الطاقة التي يتلقاها الجسم الأقرب، قوة المجال المغناطيسي للعقل البشري يساوي -10100-15 تيسلا  أي 10-100 فيمتو تيسلا Femtotesla  ، فهذه الكمية تتبدد فوراً في عظام الجمجمة وتلغيها القوى المغناطيسية المحيطة، فمجال الأرض المغناطيسي والذي يساوي حوالي 10-5 يعادل مليارات أضعاف قوة المجال المغناطيسي للدماغ.
كما أنه في المغناطيسية (الشبيه لا يجذب الشبيه(، بالعكس هو الصحيح، فالشحنة الموجبة تتنافر مع الموجبة وتتجاذب مع السالبة.
قانون الجذب غير قابل للقياس بدقة
حالات فشل قانون الجذب تبرر بإلقاء اللوم على عقلية الضحية، إذا قام شخص بتجربة قانون الجذب ولم ينجح معه في العادة يتم إلقاء اللوم عليه، لن يقر المروجون لقانون الجذب بوجود مشكلة في القانون نفسه.
لكي يكون هناك شيء يمكن التحقق من صحته علمياً ، يجب أن نكون قادرين على إثبات كونه صحيح أو خاطىء،  في الواقع ، تبدأ كل تجربة علمية بفرضية العدم null hypothesis التي تنص على خطأ ما يتم محاولة إثباته ، ويقع العبء على العالم ليثبت أن فرضيته صحيحة بعمل تجربة تفشل فرضية العدم.
لن يسمح قانون الجذب بأن يكون خاطىء في أي وقت ، فالأشخاص الذين يحاولون اتباع القانون فقط هم الذين قد يكونون مخطئين. فقانون الجذب لا يتم قياسه أو إثبات صحته أو خطأه من خلال المنهجية العلمية، جميع الادعاءات حول نجاحه  قولية ومنحازة نحو التقارير الإيجابية والانتقائية، لم يتم ذكر التقارير السلبية من الأشخاص الذين يجربون قانون الجذب ولم ينجح معهم.

التفسير العلمي لقانون النجذب
يمكن تفسير النتائج التي تحصل عند إعتقاد وممارسة الأفراد لقانون الجذب بمفاهيم في علم النفس من مثل تهيئة النفس(Priming)، الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias). نبوءة ذاتية التحقق (Self-fulfilling prophecy)، والتفكير الإيجابي (Positive Thinking).
تهيئة النفس (Priming)
هل كنت في يوم من الأيام مهتماُ بنوع من السيارات حتى بدأت في ملاحظتها في كل مكان تذهب إليه؟ وكأن شخص صنع نسخ طبق الأصل من السيارة التي تسعى لإمتلاكها وقام بتوزيعها في كل مكان، بالتأكيد لا توجد مؤامرة كونية ، ما حصل هو أن عقلك فقط لم يلاحظ هذه الأشياء في السابق، قبل أن تقرر أنك مهتم بهذه السيارة كان عقلك يقوم بفلترت كل هذه السيارات من إنتباهك، ولكن بعد إهتمامك بها توقف عقلك عن ذلك وأصبحت تلاحظها فور ظهورها.أنت برمجت عقلك على ملاحظة شيء معين في البيئة التي توجد حولك.
تهيئة النفس هي برمجة عقلك بشكل واعي على ملاحظة معلومة معينة حال ظهورها في البيئة حولك، أحد العوارض المدهشة لمهارة تميز الأنماط التي تتمتع بها عقولنا هي أنها تمسح البيئة المحيطة بشكل دائم بحثاً عن معلومات جديدة، إذا أخبرت عقلك عن ماذا تبحث فستزداد قدرة عقلك على ملاحظته، تهيئة النفس هي نوع واعي من التأثير على قدرة تميز الأنماط في العقل،عند إستغلال دقائق بسيطة لإخبار عقلك عما تريده وتبحث عنه يمكن لك برمجته لملاحظة أي إرتباطات لذلك الشيء فور ظهورها، بعض الناس يطلق على هذا حدساً، التهيئة النفسية هي وضع الحدس في إستخدام إنتاجي.
ما يحدث في العقل بالفعل يلون تجربتنا للواقع، أولئك الذين عانوا من الاكتئاب يعرفون أن هذا الاضطراب يجعل من الصعب عليهم رؤية أي شيء ذي قيمة أو اهتمام في العالم. أحد أسباب شعور الناس بأنهم محظوظون عند القيام ببعض المهمات هو تهيئة عقولهم لها، أحد الأسباب التي تجعل وضع الأهداف عملية مفيدة في حياة الفرد هو تهيئة العقل للبحث عن الأشياء التي تساعد في الحصول على ما يريده.
الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias)
الإنحياز التأكيدي هو ميل الناس إلى الإنتباه إلى تلك الأشياء التي تدعم إستنتاجاتهم وتجاهل المعلومات التي تعارضها، لا يوجد تحديداً شخص يحب أن يعرف بأنه إتخذ القرار الخاطىء لذا نميل إلى ترشيح المعلومات التي تدعم هذه الصورة، وهذا ما يحصل عند تركيز الشخص على الحالات الناجحة لقانون الجذب في حياته وتجاهل النتائج الفاشلة.
أفضل طريقة للتعامل مع الإنحياز التأكيدي هو البحث عن مصادر معلومات تتحدى أفكارنا وفرضياتنا الحالية، إعطاء الإنتباه للأدلة المناقضة لرأينا مهمة صعبة، لأنها تعني أننا نحاول البحث عن الطرق التي تثبت أننا على خطأ، ونحن في العادة نكره أن نكون على خطأ، البحث عن هدف مناقض لرأيك سيساعدك إما في إكتشاف أخطاء إرتكبتها أو يثبت أنك على حق، طالما أبقيت حكمك الشخصي بعيداً لفترة كافية لفحص الأدلة.

نبوءة ذاتية التحقق Self-fulfilling prophecy
هي التنبؤ أو التوقع الذي يؤثر على السلوك بحيث يؤدي إلى تحقق التوقع، مثال ذلك الشخص الذي يتوقع عند الذهاب إلى حفلة ما أنه سيقضي وقت سعيد، ففي الغالب سوف يستمتع بوقته وسيتحقق توقعه، والعكس صحيح.
توقع النجاح أو الفوز بإستخدام قانون الجذب قد يؤدي إلى تغيرات في السلوك للفرد وزيادة دافعيته وإنتاجيته، وهذا ما قد يؤدي إلى نتائج إيجابية وتحقق للأهداف التي وضعها فينسب الفضل في هذه الحالة إلى القانون بدلاً من الجهد الذي تم بذله.
التفكير الإيجابي (Positive Thinking)
التفكير الإيجابي أو التفاؤل هو موقف عقلي يعكس الاعتقاد أو الأمل في أن نتائج أو الظروف القادمة ستكون إيجابية ومواتية ومرغوبة.للتفكير الإيجابي أثر جيد على العقل والجسد، فهو يزيد من الرضا عن الحياة ، والسعادة ، والرفاهية النفسية والجسدية ويقلل من المشاكل النفسية والجسدية المرتبطة بالاكتئاب والقلق.[7][8] وأيضاً يقلل من نسبة حدوث الجلطات والمشاكل القلبية[9].
وتوصلت دراسة بحثية (Fredrickson, Cohn, Coffey, Pek, & Finkel, 2008) إلى أنه عندما تم عرض مهمة على الأشخاص ، فإن أولئك الذين شاهدوا مقطع فيديو إيجابيًا قبل أداء المهمة قاموا بعمل أفضل وكانوا أكثر انفتاحًا على حل المشكلات أكثر من أولئك الذين شاهدوا فيديو سلبي أو محبط.عندما يكون لدى الشخص عقلية سلبية ، فإنه يميل إلى التركيز على المشكلة، بينما عندما يكون في حالة العقلية الإيجابية ، يكون عقلك أكثر انفتاحًا على الاحتمالات ، مما يسهل حل المشكلات.
إن التفكير الإيجابي خلال ممارسة قانون الجذب يمكن أن يعزى له أكبر الفضل في النتائج الإيجابية التي يتم تحصيلها والمرتبطة بالصحة النفسية والجسدية كما في حل المشكلات المالية أو الإجتماعية التي قد يكون الشخص واقعاً فيها.





[1] الفكر الجديد حركة فلسفة دينية نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر على يد فينياس كويمبي Phineas Quimby. يعتقد مؤيدوها بأن عقل الإنسان يتسم بالتفوق على كل الأوضاع والظروف المادية، ويؤكدون على قوة الفكر البنّاء.
[2] Redden, Guy, "Magic Happens: A New Age Metaphysical Mystery Tour", Journal of Australian Studies: 101

[3] superconducting quantum interference device
[4] https://www.youtube.com/watch?v=BLfwZ1NPNKY
[5] SQUID (for superconducting quantum interference device)

الثلاثاء، 8 يناير 2019

ما هي الروحانية الوجودية الحديثة؟

الروحانية الوجودية الحديثة أو إختصاراً روح أو نظام روح هي خلاصة بحثي وتجربتي في السلك الروحي على مدى خمسة عشرة عاماً، إبتداءاً من إختباري لتجارب الخروج من الجسد بشكل طبيعي في سنين المراهقة ومروراً بدراستي العملية والنظرية للروحانية بشكل عام وللتجارب الروحانية بشكل خاص وتفسيراتها العلمية ونهاية بالدراسة الفلسفية للروحانية وذلك لإختيار السلك الروحي الذي أعتقد بأنه الأكثر إكتمالاً بين جميع الطرق الروحية المتوفرة، وهذا ما أعتقد بأنني وجدته فيما يطلق عليه الروحانية الوجودية (Existential Spirituality). والروحانية الوجودية هي تقليد روحي حي بدأ به سورين كيركيجارد (1813-1855)، ويركز على الجوانب الداخلية في الإنسان بدلاً من التركيز على التكهنات حول قوى فوق طبيعية لتفسير القضايا والظواهر الروحانية. تبدأ الروحانية الوجودية بمواجهة الأزمة الوجودية الداخلية في الإنسان بدلاً من تجاهلها. والفكرة الجوهرية لهذه الأزمة الوجودية هي مشابهة لتصور كانط للمعرفة العقلية بأنها عالقة في عالم الظواهر الطبيعية (Phenomena) أما عالم الجوهر أو (Noumena) لا يمكن إدراكه بالعقل البشري، أي أن التوجه والوعي الداخلي في الروحانية الوجودية يكون نحو روح بشرية قابعة في داخلنا بدلاً من روح خارج حدود أجسادنا.
 تبدأ الأزمة الوجودية الداخلية من وجهة نظر الروحانية الوجودية من الحقيقة البديهية بأننا عالقون داخل أدمغتنا، من اللحظة الأولى التي نولد فيها إلى لحظة موتنا فإن ما ندركه من العالم هو مجرد صورة داخل أدمغتنا، وأن أدمغتنا هي كل ما نملكه، ولا يمكن إختبار أي شيء خارج الدماغ لأنه مناط الإدراك والتفكير والتخيل، والعالم الذي ندركه إنما هو بالشكل والهيئة التي هو عليها بسبب طريقة عمل عقولنا. وأن الروحانية وجميع ظواهرها إنما هي إمتداد لهذا المفهوم ولا تخرج عليه. إن التفسير المادي العلمي للظواهر الروحية إن صح يضعنا بلا شك أمام تحدي وجودي خطير يتحدى جميع الإدعاءات والتصورات الماورائية. وإذا قبلنا التفسير المادي العلمي للروحانية وسلّمنا بكون الروحانية ذات أصول مادية فيمكن لنا الإكتفاء بذلك دون التكهن أو الخوض في التفسيرات والقوى الفوق طبيعية، أي القيام بقفزة إيمانية (التسليم بإستحالة تحصيل المعرفة الماورائية وأن كل ما يمكن لنا القيام به في ظل هذا العجز هو إتخاذ القرار بالإعتقاد به دون دليل) كما يصفها سورين كيركيجارد وهذه إحدى حلول الأزمة الوجودية الناتجة عن التفسير العلمي المادي للروحانية ، وبهذا يمكننا التركيز على اعادة تعريف المصطلحات الروحانية وتطوير التقنيات والممارسات الروحية لتتماشى مع النظرة العلمية.كما يمكن لنا التمادي اكثر وفحص الادعاءات الروحية ذاتها كوجود الروح، الحياة بعد الموت، المعنى من الوجود. على أن هذا هو عمل فلسفي محض لا يؤثر في التجربة العملية كما أنه يحتاج الى ملكات تفكير وإدراك عالية. إن الروحانية الوجودية بذلك تختلف بشكل جوهري عن أنواع الروحانية الأخرى من حيث الإفتقار إلى التكهنات حول الكائنات الخارقة أو الماورائية. فمعظم أشكال الروحانية الوجودية لها محتوى عقائدي قليل جداً. فالروحانية الوجودية تسأل دائماً السؤال كيف يمكننا أن نعرف حول "الكائنات التي تقع وراء أنفسنا"؟ لكن بالتأكيد نستطيع استكشاف أعماقنا الداخلية حيث تقبع الروح والتي يمكن لحساسيتنا الداخلية الشعور بالديناميكا الخاصة بها.

أضرار الروحانية التقليدية

1- التوسع المتطرف للأنا
فقد الإحساس بالذات هو شعور محرر للنفس وكما ذكرنا هو ينتج في الدماغ خلال التجربة الروحية بسبب نقص النشاط في الفص الأمامي  Hypofrontality " وما يتبعه من إسكات للصوت الداخلي وذوبان حدود الذات، وفي التجارب الروحية يترجم الأمر بإعتقاد الشخص بأنه يندمج في قوى عليا أو شخصية دينية، ومن ذلك متلازمة القدس (Jerusalem Syndrome) حيث أن الزائر الغير مستعد للمدينة يصاب بإضطراب نفسي يخرجه من الواقع تحت وزن القيمة التاريخية والروحية الكبيرة المحيطة به، وتصيب الحالة في الأساس من كانوا يحملون أفكار دينية عميقة ولكنها من حين إلى آخرى تصيب السائحين العاديين، وهذه الحالة يمكن أن تسمى لدى علماء النفس التوسع المتطرف للأنا (extreme ego inflation)، تبدو تجربة فقد الذات جديدة ومغرية وكأنها لم يتم إختبارها مسبقاً لدرجة أن البعض يعتبرها دليل على تدخل مقدس أو تواصل مع الأرواح. لذا من المهم عند حصول نشوات أو تجارب روحية عدم إتخاذ أي قرارات مهمة في الحياة.
في التجارب الروحية (الحالات الإنتقالية للوعي) يتم إفراز كمبيات كبيرة من الدوبامين بينما يختل النشاط في القشرة الأمامية من الدماغ، وهذا ما يسبب قدرتنا الفجائية على رؤية روابط بين أفكار لم نفكر بها سابقاً، بعض هذه الأفكار يمكن أن يكون إضاءات حقيقية في الفكر و بعضها آخر يمكن أن يكون مجرد نزوات وتجارب تخيلية. في العام 2009 إكتشف عالم الأعصاب بيتر بروغر (Brugger, Mohr, Krummenacher, & Haker., 2010)أن الأفر اد مع كمية كبيرة من الدوبامين في أجسادهم هم أكثر ميلاً للإعتقاد بوجود نظريات المؤامرات والإخطاف من قبل المخلوقات الفضائية، هم يعانون من حالة تسمى الاستسقاط apophenia أي الميل إلى الإنغمار في المصادفات ذات المعنى، ويستطيعون إيجاد أنماط في مواضع لا يراها غيرهم. عندما يتشوش عمل القشرة الدماغية الأمامية (Alvarez و Eugene، 2006) فإن السيطرة على الإندفاعات، التخطيط طويل الأمد، والتفكير النقدي كله يغلق أيضاً، نحن في هذه الحالة نفقد الضوابط العقلية والتوازنات لدينا.إدمج ذلك مع الكمية الكبيرة من الدوبامين في الجسد التي تخبرنا أن الروابط التي تقوم بها هي ذات أهمية كبيرة ويجب التصرف على أساسيها فوراً، عندها ليس من الصعب رؤية كيف يمكن أن نقع في الخطأ في مثل هذه الظروف. لذا ليس مهم كم تتخيل عظمة تجربتك، سيكون من المهم أن تتذكر أنها لا تتعلق بك، يجب أن تخضع هذه التجارب إلى التقدير والتفكير النقدي لاحقاً، وهذا ما لا تشجع عليه الروحانية التقليدية.

2- الضياع في الحاضر
في التجارب الروحية نفقد القدرة على تقدير إقتراب الأشياء من الحدوث بسبب فقد الإحساس بالزمن، في حياتنا الشخصية وفي العالم ، وذلك أيضاً بسبب إختلال عمل القشرة الدماغية الأمامية، في حال النشاط الطبيعي للقشرة الدماغية الأمامية نتمكن من مسح الأحداث في الماضي والمستقبل وتحديد السيناريوهات المتوقة، ونمضي القليل جداً من الوقت في الحاضر، لذا في التجارب الروحية ننغمس بعمق في الحاضر، وهذا ما يزيد من جاذبية وثقل اللحظة.
العديد من الحركات الدينية والروحانية التقليدية من مثل (كنيسة اليوم السابع في العام 1840 و مروجي تقويم المايا في 2012 ) كانت تعطي توقعات حول نهاية العالم وتخفق، لأن مثل هذه التنبؤات قادمة من إستبصارات روحية فقط وليس من أي إستنتاج أو بحث عقلاني حقيقي.
علماء النفس المعاصر أعطوا إسم لهذه الظاهرة إسكوثيجيا (eschatothesia) أو توقّع هلاك العالم، أو توقع حصول حدث هام للغاية في المستقبل القريب، حيث بداية عصر جديد وحيث لا شيء سيبقى كما هو عليه. أي شخص مختبر للظواهر الروحية يقع في مثل هذه الحالة، حيث يحاول جذب التنبؤات المشاهدة في تجربته الروحية إلى الحاضر لغياب الإحساس بالفارق الزمني. ويمكن أن يصيب ذلك أي شخص يختبر حتى لحظات الإلهام من مثل رائد الأعمال الذي ترده فكرة عبقرية لمشروع، والموسيقي الذي يسمع نوتات موسيقية في عقله خلال إحتفال، قد يحتاج الأمر إلى سنوات لتجسيد كل تلك الأحاسيس والأفكار إلى شيء ملموس على الأرض.
إن هذه القدرة على إستلهام المستقبل البعيد هو شيء إيجابي إذا قدرناه في إطاره الزمني الواقعي ولكن مدمر إذا تجاهلنا هذا الإطار وهذا ما يغيب عن بال ممارسي الروحانية التقليدية.
3- مدمن الهناء
مع خاصية غياب الجهد في التجارب الروحية نختبر مجموعة مختلفة من الإفرازات الكيميائية في الجهاز العصبي المركزي، وخاصة تلك المسؤولة عن المكافئة وغمرنا بالإلهامات والتي قد تكون مضللة. حالما يشعر الأفراد بغياب الجهد والراحة في التجارب الروحية  يتصور بعضهم أن الحياة بأكملها هكذا (حالة من الراحة) ويكثر إستعارتهم للمقولة (إنساب مع الكون أو التدفق go with the flow).
غياب الجهد يجعلنا نختبر قمة الأداء العقلي، ككوب ممتلء بالماء حتى وإن كان مثقوب من الأسفل، نشعر بالإكتمال وغياب النقص، ولكن عندما تنتهي التجربة ويقل التدفق العقلي الذي يملء الكوب، كل الماء يذهب في النهاية ونعود مجدداً إلى حيث بدأنا و نعود إلى التدفق الطبيعي للمعلومات والحاجة إلى إتخاذ القرار، هل ننتظر النشوة الروحية التالية لتملء لنا عقولنا وتغمرنا بالمعلومات أم علينا التعامل مع تسرب المعلومات التدريجي والبدء بالعمل الجاد.
إن الإنغمار في النشوات الروحية والتي تصوّر أن كل شيء يمكن القيام به أو التفكير به بسهولة يعد خداع للنفس يمنع الروحاني التقليدي من التفكير بالعمل والإجتهاد في الحياة أو يجعله ينظر بفوقية لها كمظاهر مضادة لطبيعة الوجود السلسة والسهلة في الفهم والعمل. وهذا ما يسبب أيضاً إرتباط الروحانية التقليدية بالفقر والكسل والعزوف عن خوض تحديات الحياة.
4-الذهاب دون عودة
تعتبر الوفرة الخاصية الرئيسية الأخيرة للتجربة الروحية وهي إحساس صاحب التجربة الروحية بالطبيعة الزاهية والمفصلة والكشفية لتلك التجارب، إنه شعور أشبه بإلهام إبداعي ونوع من الاتصال بشيء أكبر من أنفسنا يجعلنا نشعر بأننا نفهم الذكاء الذي يسري في جميع أنحاء الكون. وهو ناتج عن قيام الدماغ بإفراز النوربينيفرين والدوبامين في أجسادنا، هذه المواد الكيميائية العصبية ترفع معدلات ضربات القلب ، وتزيد التركيز ، وتساعدنا على السكون والانتباه،  نلاحظ كمية أكبر من المعلومات، و تصبح عملية ضبط أو تجاهل المعلومات أكثر سهولة، هذا الفيض الهائل من المعلومات قد يوهم الروحاني بأن مصدر تلك المعلومات خارجي، بأنه علامة على الإتصال بعقل كوني لا يخطىء. هذا الإتصال إذا إستمر دون توجيه فهو قد يعمل على إنفصال الروحاني تدريجياً عن العالم الخارجي وإكتفاءه بالداخل، الثقة بالحس والتجربة الداخلية بدلاً من التفكير والمراقبة الخارجية. قد يبدأ الروحاني بالإعتقاد بأنه من الممكن من خلال هذه المعلومات الداخلية فهم كل ما يتعلق بالعالم الخارجي ووصفه وأكثر، بأنه لا داعي في هذه المرحلة التزوّد بأي معلومات خارجية.

 وأسرار اللاوعي هي بئر لا قعر لها، فإذا إنسحب الروحاني من التجربة مبكراً أكثرمن اللازم فإنه دائماً يشعر بشغف نحو الأعماق التي لم يصلها، أما إذا غاص أعمق من اللازم فإنه قد لا يعود أبداً إلى الواقع الذي تركه. إذاً كان اللاوعي فعلاً لانهائياً فالسؤال لن يكون إذا أمكن سبر كل أعماقه بل النقطة التي يمكن الوصول إليها والعودة إلى الوعي الطبيعي دون فقد كل شيء.من المهم سبر أعماق النفس البشرية وإستكشافها ولكن ذلك لا يكون أبداً بديل للتجربة في العالم الحقيقي والتوّسع فيه.

الثلاثاء، 1 يناير 2019

العالم الداخلي للإنسان- النفس Psyche

تعريف النفس Psyche

حسب علم النفس psychology وهو الدراسة العلمية والموضوعية للنفس البشرية، فالنفس هي مجموع العقل البشري، بما في ذلك الوعي واللاوعي. كلمة النفس لها تاريخ طويل في علم النفس والفلسفلة وتستخدم أحياناً بشكل متبادل مع كلمة الروح، وهي تعد من المفاهيم الأساسية لفهم الطبيعة البشرية من الجانب العلمي.
هذا هو نفسه تفسير كارل يونج (علم النفس التحليلي) بأن النفس هي الكلية لجميع العمليات النفسية، الواعية وغير الواعية. ومفهوم الوعي أكثر شمولاً من مفهوم العقل (الذي يشمل الجزء الواعي  من الدماغ فقط).
حسب تصور يونج فالنفس هي نظام ذاتي التنظيم Self-regulating system مثل الجسد، فهي تبحث عن التوازن بين كميات مختلفة تحويها وفي نفس الوقت تعمل على النمو، هذه العملية (نمو النفس) أطلق عليها يونج عملية التفرّد Individuation.
مكونات النفس Psyche
ويمكن تقسيم النفس إلى مركبات أقل أشبه بشخصيات ثانوية أو وظيفية تساهم في التشكيل العام الكلي وهي كالتالي:
الإيجو The ego
والإيجو أو الأنا حسب يونج هي مركز مجال الوعي، هي الجزء حيث يستقر الإنتباه الواعي، الإحساس بالهوية والوجود.هذا الجزء أشبه بمركز القيادة، حيث ينظم الأفكار والمشاعر والأحاسيس والنوايا، كما ينظم طريقة إدخال المعلومات إلى الذاكرة. هذا الجزء الذي يصل العالم الداخلي والخارجي للإنسان ببعضهما البعض، ويقرر الأشياء التي نشعر بالتواصل معها في العام الخارجي.
بحسب يونج يحدد الإيجو علاقة الشخص بالعالم الخارجي حسب مستويات الانبساط extroversion أو الانطواء introversion  لديه وكيفية إستخدامه لوظائف التفكير والشعور والإحساس والحدس. بعض الناس قد طوروا واحد أو أكثر من هذه السمات مقارنة بالآخرين وهذا يشكل طريقة إستقبالهم للعالم الخارجي.
أصل الإيجو نابع من تركيب الذات Self-archetype، حيث يتشكل مع مرور الوقت خلال محاولات العقل إعطاء المعنى والقيمة للتجارب المختلفة.
الإيجو هو جزء بسيط من الذات The self، ولكن رغم ذلك فالوعي إنتقائي والإيجو هي التي تقوم بعملية الإختيار للمعلومات الأكثر قيمة من البيئة المحيطة وإتخاذ الإتجاهات التي على أساسها تتم هذه الإختيارات، بينما المعلومات الأخرى التي لا يتم إختيارها لتبقى في الوعي تغرق إلى اللاوعي، إلا أنها تعاود الظهور مجدداً في الوعي خلال الأحلام أو الرؤى أي تعاود الظهور إلى العقل الواعي.
اللاوعي الشخصي  The personal unconscious
ينشأ اللاوعي الشخصي من التفاعل بين اللاوعي الجماعي collective unconscious والنمو الشخصي ، وقد حدده يونج على النحو التالي:
"كل ما أعرفه ، لكنني لا أفكر فيه في الوقت الحالي. كل شيء كنت واعياً به ولكن قد نسيت الآن ، كل ما تدركه حواسي ، ولكن لا يلاحظه ذهني الواعي ، كل شيء موجود ويؤثر بشكل لاواعي و  أشعر به ، أفكر به ، أتذكره ، أريده. كل الأشياء المستقبلية التي تتشكل في داخلي وستأتي في وقت ما إلى الوعي. كل هذا هو محتوى اللاوعي ... بالإضافة إلى ذلك ، يجب علينا تضمين جميع عمليات الكبت المتعمّدة للفكر والمشاعر المؤلمة. أسمي مجموع هذه المحتويات "اللاوعي الشخصي".
على عكس فرويد ، رأى يونج أن الكبت هو عنصر واحد فقط من اللاوعي ، وليس كله. كما رأى أن اللاوعي هو بيت التطور المستقبلي المحتمل ، وهو المكان الذي تداخلت فيه عناصر غير متطورة في شكل واعي.
المركبات النفسية Complexes
في علم النفس اليونجي ، المركبات النفسية هي عبارة عن نمط عميق ومنظم من الذكريات، المشاعر، الإدراكات، والرغبات.هذه الأنماط يتم تشكيلها من قبل إستجابات الفرد للتجارب الحياتية.على عكس فرويد، أن هذه المركبات النفسية يمكن أن تكون متنوعة على بدلاً من أن تكون مستندة على الدافعية الجنسية.
تتصرف المركبات النفسية بشكل آلي، بحيث يشعر الشخص الذي تظهر لديه هذه المركبات وكأنها خارج سيطرته. الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية قد تطغى عليهم بعض هذه المركبات.
المركبات النفسية تتأثر بشكل كبير من خلال اللاوعي الجمعي Collective Unconscious كما قد تحوي عناصر من النماذج الأولية -الأركيتايبس archetypal elements. في الأفراد الأصحاء نفسياً، نادراً ما تكون المركبات مشكلة، بل ومن المحتمل أن تكون مفتاحًا لتحقيق التوازن بين وجهات النظر الأحادية الجانب للإيجو حتى تحدث التنمية النفسية. إذا كان الشخص يعاني من مشاكل نفسية عقلياً ، سيكون غير قادر على تنظيم نفسه كما في حالة (إنفصام الشخصية).
مثال على المركبات النفسية، الرومانسية، جميعنا لديه أفكار، مشاعر، رغبات وتوقعات حول المفهوم وتؤثر على تصرفات الشخص بشكل لاواعي. فمثلاً البعض قد يرى الرومانسية تتجسد في الذهاب لأمسية جميلة في مطعم فاخر، البعض الآخر قد ينظر إليه كتعبير جسدي ونفسي وممارسة أنشطة مشتركة.الرومانسية للبعض قد تعني السعادة الأبدية وللبعض قد تكون مرتبطة بلحظات مؤقتة من السعادة تنتهي عادة بتحطيم القلب والترك. بالتأكيد هذه التوقعات ليست واعية، ولكنها ترتبط بالنتيجة النهائية التي يحصل عليها الفرد من التجربة.
اللاوعي الجمعي The collective unconscious
نظرية اللاوعي الجماعي هي واحدة من نظريات يونج الفريدة. يعتقد يونج ، على عكس العديد من معاصريه ، أن جميع عناصر طبيعة الفرد موجودة منذ الولادة ، وأن بيئة الشخص تخرجهم (وليس البيئة التي تخلقهم). كان يونج يشعر بأن الناس يولدون مع "مخطط" موجود بالفعل لهم يحدد مسار حياتهم ، وهو أمر ، رغم أنه مثير للجدل في ذلك الوقت ، يحظى بدعم واسع النطاق اليوم بسبب كمية الأدلة الموجودة في البحث العلمي وخاصة في مجال دراسة الحيوان. حيث الأنواع المختلفة تولد مع ذخيرة من السلوكيات المتكيفة بشكل فريد مع بيئاتها. وقد لوحظ أن هذه السلوكيات في الحيوانات يتم تنشيطها من خلال المحفزات البيئية بنفس الطريقة التي شعرت يونج بأن سلوكيات الإنسان يتم إبرازها. وفقا ليونج ، "ليس المقصود من هذا المصطلح أن يشير إلى أفكار متوارثة بل نمط سلوك للكائن الحي.
كان يونغ يعتقد أن هذه المخططات الوراثية للسلوك تتأثر بشدة بمختلف النماذج الأساسية (الآكيتايبس) في حياتنا ، مثل والدينا وأقاربنا الآخرين ، والأحداث الكبرى (المواليد والوفيات ، وما إلى ذلك) ، والنماذج التي تنشأ في الطبيعة وفي ثقافاتنا (الرموز والعناصر الشائعة مثل القمر والشمس والماء والنار ، وما إلى ذلك). تجتمع كل هذه الأشياء لإيجاد تعبير معين في النفس ، وكثيرا ما تنعكس في القصص والأساطير.
لم يستبعد يونج وجود الروحية اللامادية ، على الرغم من الأساس البيولوجي الذي وصفه في الشخصية الإنسانية. كما أنه كان يعتقد بوجود قوى روحانية تؤثر على نفسية الإنسان، لعل ذلك من بين الأشياء التي أدت إلى إعراض الكثير من النفسيين ومن بينهم فرويد عن أفكار ونظريات يونج.
الذات The Self
النفس ، وفقا ليونج ، هي مجموع الكل النفسي، مع كل إمكاناتها المحتملة. هذا هو الجزء من النفس الذي يتطلع إلى الأمام ، والذي يحتوي على محرك نحو تحقيق الكمال. وهي القوة الدافعة لعملية التفرد حيث يسعى الفرد للوصول إلى أقصى إمكاناته.
هذه نقطة خلاف أخرى بين فرويد ويونج،  ففي نظرية فرويد ، تكون الإيجو أو الأنا مسؤولة عن العملية المذكورة أعلاه وتشكل المحور الذي يدور عليه كامل التركيب النفسي للشخص ، في حين أن الإيجو في نظرية يونج ، ليست سوى جزء واحد يبزغ من الذات (الأكثر تعقيدًا بشكل لا نهائي).

القناع Persona
يصف القناع كعنصر من عناصر الشخصية التي تنشأ "لأسباب تتعلق بالتكيف أو الملاءمة الشخصية". كالقناع المستخدم في المواقف المختلفة (مثل جانب نفسك الذي تقدمه في العمل ، أو الأسرة) . يمكن اعتبار القناع "جزء العلاقات العامة" من الأنا ، وهو الجزء الذي يسمح لنا بالتفاعل اجتماعيًا في مجموعة متنوعة من الحالات بسهولة نسبية.
ومع ذلك ، فإن أولئك الذين يتعلقون بقوة بأقنعتهم يمكن أن يواجهوا مشاكل – مثل المشاهير الذين أصبحوا متآلفين كثيراً مع قناعهم الإجتماعي كـ "نجم" ، أو الشخص الذي لا يستطيع ترك العمل في العمل ، أو الأكاديمي الذي يبدو متعالياً على الآخرين الأقل تعليماً. كل ما سبق يمكن أن يعرقل عملية النمو الشخصي للفرد بقدر كبير ، حيث أن جوانب أخرى من الذات لا يمكن أن تتطور بشكل صحيح ، مما يعوق النمو الكلي.
عادة ما ينمو القناع من أجزاء من الشخصية التي ترغب في إرضاء الشخصيات الإجتماعية ذات السلطة كالمعلمين وأولياء الأمور والشخصيات الأخرى ، وبالتالي فإن القناع يميل بشكل كبير إلى تجسيد أفضل صفات المرء فقط ، تاركا تلك الصفات السلبية التي تتناقض مع الشخص لتشكيل مركب الظل The shadow archetype .
الظل The Shadow
تلك السمات التي لا نحبها ، أو التي نود تجاهلها ، تتحد لتشكل ما دعاه يونج للظل. هذا الجزء من النفس ، والذي يتأثر أيضًا بشكل كبير باللاوعي الجماعي ، هو شكل من أشكال المركبات النفسية Complexes ، وهو عمومًا المركب الأكثر سهولة من حيث الوصول إليه بالعقل الواعي.
إعتقد يونج أن للظل دورًا هامًا في تحقيق التوازن للحالة النفسية بشكل عام. ومن دون وجود جانب الظل متطور يمكن للشخص بسهولة أن يصبح ضحلًا ومشغولًا للغاية بآراء الآخرين ، مجرد قناع. كما أن يونج يعتقد أن الصراع ضروري للإبداع والتنمية الشخصية.
بعد النظر إلى ظلال بشكل مباشر ، فإن العديد من الناس يقومون برسم هذه الظلال على الآخرين ، وهذا يعني أن الصفات التي لا نستطيع تحملها في الآخرين في كثير من الأحيان يمكن أن تكون في أنفسنا ولكن لا نريد رؤيتها. لكي تنمو الشخصية حقًا ، يجب أن يتوقف المرء عن هذا العمى المتعمد لظله ومحاولة موازنته مع القناع.
الأنيما والأنيماس Anima and animus
وفقا ليونج الأنيما هي الصورة الأنوثة في نفس الذكر ، والأنيماس هي الصورة الذكورة في نفس الأنثى. ويعتقد يونج أن التغييرات الفسيولوجية والتأثيرات الاجتماعية تساهم في تطوير أدوار الجنس والهوية الجنسية كما أن تراكيب الأنيما والأنيماس تعلب دور في هذه العملية. هذه الصور الجنسية تستند على ما يوجد في اللاوعي الشخصي والجمعي. اللاوعي الجمعي قد يحوي إضاءات حول كيفية تصرف المرأة بالإضافة إلى التجربة الشخصية مع الزوجات، الأخوات والأمهات يعطي الصورة المتكونة عن الأنثى.
في العديد من الثقافات ، يتم تشجيع الرجال والنساء على تبني أدوار الجنسين التقليدية والصارمة في كثير من الأحيان. واقترح يونج أن هذا التشدد يمنع الرجال من إستكشاف جوانبهم الأنثوية، والنساء من إستكشاف  جوانبهم الذكورية ما يعمل على تقويض النمو النفسي.
إتحاد الأنيما والأنيماس يخلق ما يسمى اتحاد الزوجين syzygy أو الزوجين الإلهيين The divine couple. يتمثل إتحاد الزوجين الإكتمال والتوحيد.
عملية التفرّد  Individuation
عملية التفرّد بالنسبة إلى يونج هي البحث عن الكمال الذي تسعى إليه النفس البشرية بشكل دائم ، وهي رحلة لكي تصبح واعية لنفسها كإنسان فريد ، ولكنها فريدة بالمعنى نفسه الذي نحن عليه جميعاً ، ليس أكثر أو أقل من الآخرين.
لم يحاول يونج الهروب من أهمية الصراع في علم النفس البشري، ورأى أن هذا الصراع ملازم وضروري للنمو. في التعامل مع تحديات العالم الخارجي والتناقضات الداخلية له ، يصبح المرء أكثر وعياً واستنارة وإبداعاً. من نتاج هذا الصراع على والصدمات ينشأ اتجاه جديد حيث تم تحقيق العدالة لجميع أطراف النزاع. هذا الصراع يحمل معه جوانب من العالمين الواعي واللاواعي في عمله كعامل تحويلي. إن التطور الذي ينبع من هذا التحول ضروري لعلم النفس اليونغي ، وهذا هو عملية التفرّد.






تلخيص كتاب طريق السعادة لسونيا ليوبوميرسكي

في كتابها The How of Happiness تتحدث عالمة النفس سونيا ليوبوميرسكي Sonja Lyubomirsky عن حاجتنا جميعنا كبشر إلى السعادة حتى وإن لم نعبر ع...