الجمعة، 25 يناير 2019

السعادة في الروحانية

السعادة صعبة المنال، جميعنا يطلب السعادة بكل أشكالها من خلال الأحاسيس الجسدية والرغبات النفسية، نحن نعمل على إرضاء شغفنا نحو المعرفة العقلية، ومن خلال الحس الفني، التمتع بالموسيقى والطعام. ولكن هذه المتع بطبيعتها زائلة. إذا تمتعت بالنجاح في مجال ما فإن نشوة النصر سوف تستمر لساعة أو يوم أو شهر ثم تذهب بعيداً، وبعد ذلك تعود للبحث عن مجدداً عن تحدي جديد، المجهود لإبعاد الملل والألم يجب أن يكون مستمر، وهذا التغير المستمر هو ليس وصفة جيدة لتحقيق السعادة والإكتفاء.
العديد من الأفراد في هذه المرحلة بدأ في التسائل إذا كان هناك مصدر أعمق للرفاهية والسعادة، وإذا كان هذا المصدر خارج دائرة التكرار للمتعة والإبتعاد عن الأمل، هل توجد سعادة لا تعتمد على توفر الرغبات من الطعام، الصحبة ، المال وغيرها؟. وهل يمكن أن يكون الفرد سعيد قبل حصول أي شيء يدفع إلى السعادة، قبل تحقيق رغبة الفرد؟ رغم الألم الجسدي، المرض ، وحتمية الموت؟، الإجابة على ذلك للغالبية هي لا، بأنه لا يوجد أعمق من دائرة تكرار المتعة وتجنب الألم، لا يوجد ما هو أعمق من السعي للإكتفاء الجسدي والحسي والذهني لحظة تلو الآخرى حتى نهاية الطريق.
ولكن يوجد طائفة من البشر يعتقد بوجود هذا المستوى من الرفاه الوجودي، ويلجؤن إلى عزل أنفسهم في الكهوف والأماكن البعيدة فقط لأجل هذه الغاية، والمنطق هنا أنه إذا وجد هذا المستوى فإنه من الممكن تحصيله في غياب كل مصادر المتعة، وأن هذه السعادة يجب أن تكون متوفر للفرد حتى في حالة العزلة والإبتعاد عن مغريات الحياة وممارسة التأمل.
المشكلة في إيجاد السعادة في هذا العالم هي أنه منذ اللحظة الأولى التي نولد فيها رغباتنا وحاجاتنا تتضاعف مع الوقت، ننتقل في عملية معقدة من الأفكار والمشاعر المتتالية مثل أمواج المحيط.
إن البحث عن سعادتنا والعثور عليها وصيانتها وحمايتها هو أعظم مشروع قد نكرس له حياتنا ، سواء اخترنا التفكير بذلك أم لا، وهذا لا يعني أننا نريد مجرد المتعة أو أسهل حياة ممكنة. هناك الكثير من أشياء التي تتطلب بذل جهد غير عادي لإنجازها ، وبعضنا يتعلم الإستمتاع بهذه الحالة خلال الصراع لإنجازها. هذا الصراع لتجنب الألم والبحث عن السعادة يعمل على تشكيل كل الثقافات والحضارات البشرية، بل إن الحضارة هي أداة إخترعتها لقولنا لخلق العالم الذي نرغب فيه بالنجاة والعيش بسعادة قدر الإمكان والإبتعاد عن الألم ويحوي الأدوات التي تساعد على ذلك، من وسائل الإعلام والترفيه إلى الحكومات والشرطة والجيوش. ولكن للأسف الإخفاق في هذا خلق هذا العالم يتجاوز الإنجازات، وينتج عالم مليئ بالأفراد التعساء أو العاجزين عن تحصيل سعادتهم.

لذا يعود السؤال للطرح بشكل طبيعي: هل هناك في الحياة ما هو أكثر من هذا؟ هل من الممكن أن نشعر بتحسن كبير (بكل معنى الكلمة) هل هو ممكن الإنعتاق من دائرة المتعة والألم في ظل حتمية التغير؟ ، الحياة الروحية تبدأ بالشك بأن ذلك ممكن، والروحاني هو الشخص الذي يكتشف كيفية القيام بذلك والروحانية غايتها خدمة هذا الهدف، أنه من الممكن تحقيق السعادة في هذا العالم دون سبب وليس للحظات قليلة بل بشكل متواصل، وهذه السعادة كامنة في التجاوز لحدود الذات، إن الذين لم يختبروا مثل هذه الراحة والسعادة العقلية سيشكون في وجودها، إن تجاوز الذات هو ظاهرة كانت حكر على المناهج والطرائق الروحية التقليدية وضمن الدين، وكذلك تفسيراتها، ولكن إن عرفت الطريقة لإنجاز ذلك بشكل عام فلا حاجة لإطار فلسفي روحاني تقليدي لإحتواءها أو الإرشاد إليها، بل يمكن إستخدامها كأداة لتحقيق السعادة الدائمة في كل لحظة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تلخيص كتاب طريق السعادة لسونيا ليوبوميرسكي

في كتابها The How of Happiness تتحدث عالمة النفس سونيا ليوبوميرسكي Sonja Lyubomirsky عن حاجتنا جميعنا كبشر إلى السعادة حتى وإن لم نعبر ع...