الثلاثاء، 1 يناير 2019

الروحانية الوجودية الحديثة

ما أصبحت مهتم به لاحقاً هو هل يمكن إيجاد نموج علمي لتفسير إدعاءات روحية آخرى من مثل الروح – الحياة بعد الموت وغيرها كما هو الحال في ظواهر كالطاقة والإسقاط النجمي؟، ومن البديهي القول بأن ذلك مستحيل كون مثل هذه الظواهر غير مادية في جوهرها وبالتالي فالإفتراض بأن العلم المادي التجريبي قادر على سبر أعماقها وإستخلاص جوهرها هو تناقض واضح. ولكن ماذا لو إستطعنا إزاحة تلك المفاهيم عن المجال الماورائي أولاً ثم تطبيق التفسير العلمي عليها، فكما أن إزاحة الإسقاط النجمي عن الإطار الماورائي كان مستحيل مع إفتراض أنه مرتبط بعوامل ماورائية فبنفس الطريقة يمكن معاملة بقية الإفتراضات الروحية الآخرى. وهنا تكمن الحاجة إلى الفلسفة، فنقل فكرة ما من المجال الماورائي إلى المادي تتطلب نقض روابطها الماورائية أولاً، فإذا كان ذلك ممكناً بالفعل عندها يمكن البحث عن تفسير علمي أو مادي لها. فعند النظر بعمق لمفاهيم روحانية عميقة مثل الروح، الحياة بعد الموت، طبيعة الوعي، والمعنى من الحياة نجد أن الروحانيين أنفسهم لا يملكون صورة واضحة لها، وبالتأكيد لم يمضوا الكثير من الوقت في محاولة تحليلها وفهمها خارج نطاق إطارهم الفكري العام (الإفتراضي). لذا فالخطوة الأولى التي يجب القيام بها هو فحص هذه المصطلحات ضمن إطارها الروحي ونقدها فلسفياً قبل محاولة إعادة التعريف والتفسير ضمن النطاق العلمي والعقلي.
قد لا يبدو هذا (وضع نظام عقلاني للروحانية) هدف نبيل للروحانيين، بل قد يعتبرونه تهجم وإهانة لأفكار ومبادىء يعتقدون أنها سبتقى أبد الدهر حصينة من كل محاولات العقل لفهمها، وإعتقادهم بذلك نابع من قناعة بأن تلك الموضوعات تقع خارج نطاق العقل (وهو إدعاء يحتاج إلى إثبات) أو أنها محمية بقوى مقدسة (وهو إفتراض)، قد يبدو إنتاج روحانية مرتبطة بالوجود (روحانية وجودية حديثة) و إستيعابها بالعقل حلم بعيد المنال، وإن المساهمة في بناء هكذا نظام إنما هو جهد ضائع أو مسيرة لا يمكن إكمالها، أو سعي في الإتجاه الخاطىء، ولكن ماذا لو كان ذلك ممكناً؟، ماذا لو أمكننا فعلاً فهم الروحانية بالكامل ضمن المستوى العقلي؟، ألن يكون ذلك من أهم الإنجازات الفكرية التي يحرزها البشر في التاريخ؟، ألن يكون ذلك قفزة تطورية للبشر إلى مستوى ما بعد البشرية؟ أو بداية للإنسان الأعلى؟، فالإنسان أكثر قوة بمعرفته الأكبر لذاته وروحه.
من المؤكد أن بناء مثل هذا النظام الروحي الجديد يحتاج إلى مجهود عشرات أو لربما المئات والآلاف من الأشخاص أصحاب الفكر العميق والمعارف المتنوعة لتحقيق الغايات الأساسية له، ولتطوير التقليد الروحاني الوجودي القديم الذي أنشأه سورين كيركغارد (1813-1855)، وحيث أن النظام الجديد يتفق مع القديم حول مبادئه الأساسية كالتركيز على الاكتشافات الشخصية والداخلية بدلاً من التكهنات حول الكيانات الخارقة للطبيعة وإحترام النظرة العلمية للكون، إلا أنه يمكن الإستفادة من التطورات الهائلة التي حدثت خلال 200 عام في كافة المجالات العلمية لتطوير مفهوم ودور الروحانية في حياة الإنسان، الروحانية التي تخدم مفهوم ومعنى وجود هذا الإنسان وتساهم في تحقيقه لهذا المعنى.

لا أعتقد بأنه يمكن لشخص واحد تطوير كهذا نظام بشكل كامل وتفصيلي، ولكن أعتقد أن ذلك ليس عذر لعدم المساهمة في إنشاء أي شيء منه أو التمهيد له أو على الأقل إنشاء المبادىء العامه له والتي يمكن تطبيقها في الحياة العملية. وإذا كانت الحقيقة هي عقيدة الروحانية وفهم المجهول هي غايتها، وأن علينا إتباع الدليل إلى أي مكان يقودنا إليه، ألا يستحق هذا الهدف الدفاع عنه ودفع كل شيء لأجله؟ ألا يستحق هذا الهدف الموت لأجله؟.

هناك تعليق واحد:

  1. أقدم هذه السلسلة الحصرية لتفتح أبواب القرين الغامضة امام الاخوة المعالجين يمكن الاطلاع عليها عن طريق البحث في جوجل بكتابة ( سلسلة أمراض القرين ) او ( فهرس سلسلة أمراض القرين ) او كتابة ( أكاديمية الأسد النوراني ) ثم الدخول الي قسم الدورات المجانية .. وجزاكم الله خيرا يمكنك أتباع الرابط التالي للدخول السريع https://www.alasd-academy.online/2021/08/blog-post_48.html

    ردحذف

تلخيص كتاب طريق السعادة لسونيا ليوبوميرسكي

في كتابها The How of Happiness تتحدث عالمة النفس سونيا ليوبوميرسكي Sonja Lyubomirsky عن حاجتنا جميعنا كبشر إلى السعادة حتى وإن لم نعبر ع...