الأحد، 17 يونيو 2018

الحضور-الجزء الثالث

التأمل
قيل لنلسون مانديلا عندما قدم إلى فرنسا من جنوب أفريقيا رجلاً حراً ورمزاً حول العالم، سأله أحد الصحفيين ما هو أول شيء يرغب بالقيام به، هل هو زيارة برج إيفيل؟ أم اللوفر؟ المطاعم أم سماع الموسيقى؟ رد مانديلا بأن أول شيء يرغب بالقيام به هو الجلوس دون القيام بشيء...وقال في شرح ذلك، منذ أن خرجت من السجن لم يكن أمامي أي وقت للجلوس وعدم القيام بشيء. هو لم يقل أنه متعب جسدياً ويرغب بالنوم، بل قال الجلوس وعدم القيام بشيء. مانديلا كان يعي ما يقوله.
هناك فرق بين الإثنين، الراحة وإيقاف عدم التوقف عن العمل. مانديلا كان مهتماً بنمط حياتنا المعاصر الذي يطارنا فيه العمل المستمر، في العمل والبيت، هناك دائما شيء لم يتم القيام به ويمكن القيام به، ونجد دائماً عذراً لذلك، أنا أقوم بشيء على الأقل، الجلوس وعدم القيام بشيء يبدو أمراً سيئاً، تضييعاً للوقت.
هذا يشبه وضع "فائض العمل المستمر"، العمل يصبح جزء من هويتنا، وبما نفكر به حيال أنفسنا. هذا شبيه بمقولة ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، لتصبح " أنا أعمل إذاً أنا أكون". هنا تكمن حكمة مانديلا حيث لاحظ أن أخذ إستراحة من وضع "العمل المستمر"، يجعلنا ليس فقط نكون في وضع أفضل بل نعمل بشكل أفضل في المستقبل.
التأمل، هو طريقة تساعدنا على التركيز على الوجود بدلاً من العمل.هناك عدة أنواع من التأمل، ولكن سنركز على أبسطها والذي يعزز جميع الأساسيات التي تلقيناها خلال المقالات السابقة.
التأمل يكامل الأساسيات الثلاثة السابقة بطريقة واحدة مقصودة.أسهل طريقة للقيام بالتأمل هي التالية، الجلوس بأريحية مع التركيز على التنفس، عندما يتجول عقلك، كما سيفعل في العادة، إتبع الأساسيات الثلاثة الأولى في الحضور بالترتيب،أولاً لاحظ أين تجول عقلك بدون أن تنجرف مع الفكرة، ثم القبول بوجود هذه الفكرة دون  حكم أو تقييم، ثم إعادة التركيز مجدداً إلى تنفسك وتعاد الكرة في حال جاءت فكرة جديدة تقطع تركيزك بتنفسك.
يقول شاد مينج هناك طريقتان للتأمل، الطريقة السهلة، والطريقة الأسهل، الطريقة السهلة هي وضع تركيزك على تنفسك بهدوء لمدة دقيتين، من خلال ملاحظة عملية تنفسك، عندما يذهب إنتباهك بعيداً، فقط أعده مجدداً إلى تنفسك. الطريقة الأسهل هي الجلوس لمدة دقيقتين دون عمل أي شيء خلالهما، فقط جذب إنتباهك بعيداً عن العمل إلى الوجود فقط. يمكن لك المزج بين الإثنين أي التركيز على تنفسك أو فقط الجلوس دون أجندة والإنتباه للوجود فقط.
الفكرة من كلام مينج حكيمة للغاية، فهو يركز على الأسلوب الأسهل في التأمل ويجعلك تبدأ فيه فوراً. لأن القيام المواصلة على التأمل القصير أفضل من القيام به بتقطع حتى وإن كان لفترات طويلة، لأن المواصلة عليه تجعله عادة.
يمكن أن تقوم بالتأمل في البداية لمجرد أنفاس معدودة أو دقيقة، فقط لتختبر شعور التأمل، والتقنيات التي تعمل معك، لاحقاً عندما يتطور إحساسك وفهمك للتأمل يمكن لك تجربة الطرق الآخرى الأكثر تقدماً فيه.
المدربون على التأمل ينصحون بالقيام به مرتين يومياً على الأقل، مع إعطاء الكثير من الإرشادات والطرق اللامعدودة.ولكن يجب ان تفهم هذا، لتبدأ في التأمل أنت لا تحتاج أكثر مما تناولناه حتى الآن.
بعد ذلك يمكن لك إتباع ما ينسبك من الطرق المتقدمة وهذا يختلف من شخص إلى آخر، التأمل هو مهم جداً للحضور، هو طريقة تجعلنا أكثر حضوراً، كما أنها تقوي قدرتنا على الدخول إلى الحضور خلال الحياة اليومية عندما تكون خارج التأمل.

يقول العالم والفيلسوف الفرنسي بليز باسكال " كل مشكلة البشرية نابعة من عدم قدرة الإنسان على الجلوس وحده هادئاً في غرفة". أو كما يقول لو تسو "من خلال عدم الفعل، يمكن لكل الأفعال أن تصبح ممكنة"، دائماً ما نستجيب بطريقة مهملة للصوت الداخلي الذي يردد في داخلنا"إفعل شيئاً، إفعل ، يجب أن تفعل شيئاً ما". عندما تتأمل، أو كما يقول مانديلا (تجلس دون القيام بأي شيء)، فأنت في الحقيقة تقوم بالكثير، أنت تساعد نفسك على القيام بالأشياء في المستقبل بشكل أفضل وأفضل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تلخيص كتاب طريق السعادة لسونيا ليوبوميرسكي

في كتابها The How of Happiness تتحدث عالمة النفس سونيا ليوبوميرسكي Sonja Lyubomirsky عن حاجتنا جميعنا كبشر إلى السعادة حتى وإن لم نعبر ع...